الشطرنج.. أسلوب حياة
الشطرنج.. أسلوب حياة
سمير كنعان |
كنت منذ نعومة أظافري أدقق وأعدل قصائد
أمي الشعرية وكتاباتها النثرية، فقد ولدت في تونس، حيث أقوى مناهج اللغة العربية،
أما أمي فهي خنساء فلسطين الشاعرة "رحاب كنعان"، وكان القرآن الكريم
أكثر ما جعلني مميزا في اللغة العربية، حيث أنه معجز بفصاحته ويصلح ويفصح لسان من
يتعلمه. وقد وجدت في نفسي موهبة النقد، أي ملاحظة ما لم يلاحظه أحد، سواء كان نقدا
لغويا أم رياضيا.
أنا سمير كنعان، 39 عاما، مدرس ومدرب
وإعلامي رياضي ومدقق لغوي، فلسطيني لاجئ من مدينة يافا،
متزوج ولدي طفلان.
الرياضة هي عشقي الأول منذ الطفولة،
وأؤمن أنها سبب رئيس لتفوقي الدراسي، لأن العقل السليم في الجسم السليم، ومن المهم
الموازنة بين الدراسة والرياضة.
كنت ولا زلت عاشقا لكرة القدم، وقبل
عام 2004 كنت أحد أفضل لاعبي كرة القدم في البلاد، لكنني اخترت رياضة الشطرنج بسبب
حادثة مؤلمة، فقد أغشي علي فجأة في إحدى المباريات وانقطع الأكسجين عني فكدت أفقد
حياتي، وتكرر الأمر عدة مرات، فجاء القرار الطبي بمنعي تماما من الألعاب الحركية
وفنون القتال نظرا لأنني أعاني من مرض مزمن في الجهاز التنفسي يعرقل وصول الأكسجين
بنسبة كافية إلى الدماغ وباقي الجسم.
شعرت بأن ذلك التقرير حكم علي
بالإعدام، على طفل موهوب عاشق للكرة تنبأ له الكثيرون بمستقبل باهر، لكنها إرادة
الله الذي يقدر ما يشاء.
قررتُ عدمَ اليأس واللجوء إلى شيءٍ
يُفرغ المخزون الهائل من الحزن في نفسي، فوجدتُ ضالتي في الشطرنج، تعلمتها (وكنت
كبيرًا 18 سنة) على يد زوجة أخي الأكبر وبالجامعة، ثم في زمن قياسي خلال فصل دراسي
واحد كنت أنافسُ على اللقب الجامعي بفضل الله تعالى!
ففي المرحلة الجامعية، وعندما كنت في
كلية العلوم تخصص كيمياء، بدأت إنجازاتي في لعبة الشطرنج بحصولي على لقب بطل جامعة
الأزهر مرة واحدة، وكنت وصيفًا للكابتن القدير محمد عاشور لثلاث مرات، كما فزت
برفقته في بطولة جامعات غزة (كفريق واحد لجامعة الأزهر).
كما ذكرت سابقا، فإن تخصصي الجامعي في
الاساس هو الكيمياء، لكن وبعد الانقسام البغيض الذي عصف بقطاعنا وجعل غزة تعاني
وشبابها من نقص فرص العمل اتجهت إلى التدريب الرياضي والتدقيق اللغوي.
وأينما اتجهنا وفي أي طريق مشينا فلا
بد من وجود تحدٍّ يعترضنا، واجهتني الكثير من المعيقات أولها كوني إعلامي رياضي في
زحمة السوق، بمعنى التضخم والتزايد الكبير في المنافسة، وثانيها العائد المادي غير
المرضي بل المبخس لجهودنا كإعلاميين، وثالثها الواسطة والمحسوبية وتعدد الألوان في
مجتمعنا، وآخرها الحصار القاتل الذي يدفن أي طموح للتطور.
مع ذلك توالت إنجازاتي، أبرزها حصولي
على تصنيف دولي: ( التصنيفات الثلاثة: شطرنج خاطف وسريع وكلاسيك) بالإضافة إلى
اجتيازي دورة تدريب دولية على يد أساطير اللعبة العالميين يتقدمهم "أناتولي
كاربوف"، لأكون واحدًا من 3 مدربين دوليين للشطرنج في فلسطين، وستظل مشاركتي
في بطولة "مرسي مطروح الدولية" بجمهورية مصر وحصولي على 6.5 نقطة بفارق
نقطة واحدة عن البطل العالمي الاوكراني "سيمنتسيف"، أهم إنجاز حققته في
عالم الشطرنج.
إن أردت التحدث عن أمي، فهي مناضلة
تستحق التشريف والتكريم على ما قدمت من تضحيات لأجل هذا الوطن، وستبقى كذلك، وفوق
كل ذلك فهي أمي بالدم وبالدين والوطن، إضافة إلى كونها إحدى أشهر الشخصيات
الاعتبارية في المجتمع، ما جعلنا -عائلتها- نفخر بها جميعا وبأننا أولادها الذين
تفانت وتتفاني لأجلهم.
سمير كنعان مع ابنه يوسف |
أما عن ابني يوسف، فهو التعويض الإلهي
الذي وهبني إياه الخالق ع وجل، ليكمل مسيرةً حلمتُ بها وحُرمتُ منها بسبب الظروف
القهرية التي عاصرتها، وأشعر تجاهه بأكبر مسئولية في حياتي كونه يعتبرني قدوةً،
فأحاول جهدي لأكون القدوة التي يستحقها.
وأنا أعلمه الشطرنج لأهداف كثيرة،
أولها تنشيط خلايا مخه لتعمل بكفاءة تتجاوز أقرانه، وجذبه إلى شيء مفيد يحميه من
السلبيات الموجودة كثرة في هذا الزمان، إضافة إلى إكسابه قوة في التركيز والذاكرة
حسن التخطيط والتفكير السليم وإيجاد الحلول بأنسب طريقة وأسرع وقت، ما يجعله
قادرًا على مواجهة الحياة وعدم اليأس أو العجز أمام أي عائق مستقبلا، ما يعطيه
أفضلية على من في سنه أو من أكبر منه
وبالحديث عن الشطرنج، فإن هنالك قصور في الاهتمام به من قبل الجهات المعنية، فالشطرنج ليست مجرد لعبة، إنما هي أسلوب أسلوب حياة ترتقي بها ثقافة المجتمعات وتنمي عقول الأطفال الذين هم بناة المستقبل، وأرى بضرورة الاهتمام أكثر برياضة الشطرنج وإدخالها في المدارس وحتى رياض الأطفال، فانا مؤمن تمامًا بأنه لا حدود لقدرات الطفل، والفرق بين الأطفال ليس الذكاء، بل اهتمام الوالدين واجتهادهما في تنمية خلايا عقل أبنائهم ورعايتهم..
فلا تنتظر حتى ترى ابنك موهوبًا ثمّ تنمي موهبته، فبإمكانك غرس الموهبة بطفلك منذ الصغر، ولكن إن بدأ يكبر وكانت شخصيته تميل إلى موهبة معينة دون غيرها، وجب الاهتمام والدعم، فتكون قد كسبت ما علمته قديمًا وما اختاره هو حديثًا، حتى ترى ابنك متعدد المواهب والقدرات.
تعليقات
إرسال تعليق